في مشهد يعكس تراجع بعض وسائل الإعلام البريطانية لصالح الإثارة على حساب الدقة والمهنية، شنت صحيفتا ديلي تيلغراف (The Daily Telegraph) وديلي ميل (The Daily Mail) حملة إعلامية وصفها مراقبون بـ “المضللة” ضد المستشار العام لهيئة اليد العليا، محمد الميل، متهمتين إياه زورًا بالتطرف؛ وقد اتسمت هذه التقارير بالتحامل والتحريف، في محاولة مكشوفة لتصويره كـ “عدو إسلامي” وهمي يمكن توظيفه لتأجيج الرأي العام؛ ولم تقتصر الحملة على الصحف، بل انضمت إليها قناتا جي بي نيوز (GB News) وتوك تي في (TalkTV)، اللتان ساهمتا في تصعيد خطاب التحريض والتشويه بحقه.
لم تكتف تلك الوسائل باجتزاء كلامه وسحبه من سياقه، بل مضت أبعد من ذلك بتشويه معانيه وتحريف مقاصده، بما يخدم روايات مسبقة الصنع ويعزز السرديات الموجهة ضد المسلمين.
وفي هذا السياق، كانت الصحفية جانيت إيستهام (Janet Eastham) من ذا تيليغراف (The Telegraph) قد تواصلت مع مكتب الميل تطلب ردًا على سلسلة من الاتهامات المعدة سلفًا، ضمن تحقيق استقصائي؛ وقد رفض المكتب الرد، معتبرًا أن “التعامل مع هذه الصحفية لا ينتج تحقيقًا نزيهًا، بل يوفر فقط تغطية موجهة قائمة على الإدانة المسبقة”.
ومنذ بدء النشر المتتابع لهذه المواد، تلقى محمد الميل تهديدات مباشرة بالقتل والاعتداء الجسدي، بحسب ما وثقه فريقه القانوني بعد النشر، فيما تزايدت حملات التحريض ضده على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تفاعل لافت من بعض النشطاء والإعلاميين، ما أثار قلقًا متناميًا بشأن سلامته الشخصية.
ورغم التصعيد الإعلامي، فإن جميع التحقيقات القانونية التي خضع لها الميل في المملكة المتحدة انتهت إلى عدم توجيه أي تهم ضده، ليس مرة واحدة، بل مرتين، بسبب غياب الأدلة؛ وقد أغلق التحقيق بحقه مرتين رسميًا بسبب “عدم كفاية الأدلة”، في أوضح رد قانوني على محاولات تجريمه إعلاميًا.
وبحسب التقارير، طالب كريس فيلب (Chris Philp)، وزير الظل لشؤون الشرطة، بإعادة فتح التحقيق في القضية مع إمكانية إعادة اعتقال محمد الميل، معربًا عن قلقه العميق من استغلال نظام اللجوء السياسي لترويج أفكار متطرفة، وداعيًا إلى ضرورة تعديل قوانين حقوق الإنسان واللجوء؛ كما نقلت التقارير عن اللورد والني (Lord Walney)، المسؤول السابق عن مكافحة التطرف في الحكومة، وصفه الأدلة الجديدة بأنها “مزعجة” وتكشف عن “قصور خطير في التحقيق الأولي”، مؤكدًا على أهمية إعادة فتح القضية للحفاظ على الأمن القومي.
وفي مواجهة هذه الحملة، أصدر مكتب محمد الميل بيانًا أوضح فيه أن تصريحاته لا تنطوي على تحريض على العنف، وأن انتقاد السياسات الإسرائيلية ينبغي ألا يفسر باعتباره عداءً لليهود، كما أكد أن تناوله لمفاهيم الهوية الإسلامية لا يقصد به المساس بالسلم الأهلي.
محمد الميل ليس شخصية عابرة في المشهد العام؛ فهو باحث أكاديمي وزعيم ديني يشارك بانتظام في حوارات فكرية ويقدم الاستشارات للقادة السياسيين والدينيين والمؤسسات المختلفة؛ كما سبق له أن قدم أدلة مكتوبة للجان برلمانية متعددة حول قضايا تتعلق بالهوية وحقوق المسلمين، وهي شهادات يفترض أن تحظى بحصانة برلمانية، رغم وجود مطالبات بمحاسبته على ما ورد في مذكراته.
تعكس هذه الحملة الإعلامية والسياسية الممنهجة التحديات التي يواجهها محمد الميل، كما تبرز التناقض الواضح بين ما يروج له خصومه من خطر مزعوم، وبين استخدامه أدوات الديمقراطية نفسها للدفاع عن حقوق مجتمعه.