المُرسِل: علي الميداني
في هذه المراجعة سيكون تركيزنا على نظرية «النفير الثُبات» أو «القيامة» التي وضع الكاتب (الشيخ محمد الميل) قواعدها، في كتابه «قيامتنا والأخ الأكبر»، وهي نظرية في السبيل إلى الخروج من مأزق الدولة المستحيلة. لن نراجع كل جزء من الكتاب، لذلك يتوجب الرجوع إلى الكتاب وقراءته كاملاً لأخذ تصور تفصيلي عما يريده الكاتب. يتضح من الصفحة الأخيرة من الكتاب، التي تحتوي على بيانات الناشر ومعلومات النشر، أن تصنيف الكتاب هو: إعلان سياسي / سيرة ذاتية. ومعنى أن ذلك أن الكتاب يجمع في محتواه جوانب من السيرة الذاتية، وأسس نظريته الثورية.
«النفير الثُبات» اسم مشتق من الآية الكريمة: «يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعًا». أما «القيامة» لعل يريد بها الكاتب أن تكون هذه النظرية الثورية كيوم القيامة على الخصم، أو لعله يريد بذلك ما جاء في قوله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»، فهو يريد أن يقول إننا سنكون كالقيامة على الخصم سنأتيهم فردا فردا. لم يصرّح الكاتب بهذا المعنى، ولكنها محاولة لتفسير سبب اختيار هذا الاسم.
بعد أن وضّحنا أن اسم الكتاب هو «قيامتنا والأخ الأكبر»، وأن اسم النظرية هي «النفير الثُبات» أو «القيامة»، تبقّى توضيح معنى «الأخ الأكبر». نستطيع فهم هذا الشق من العنوان من رواية شهيرة لجورج أوريل، التي صدرت عام 1984 بعنوان: «الأخ الأكبر»، وبحسب ويكيبيديا: «أصبحت كلمة الأخ الأكبر تستعمل كمرادف للتعسف في استعمال السلطة الحكومية وخصوصا في احترام للحريات المدنية». من خلال متن الكتاب، نستطيع أن نفهم أن الكاتب يريد بـ «الأخ الأكبر» «النظام الدولي» على المستوى السياسي و«الحداثة» على المستوى الفكري والفلسفي. ويتراجع الكاتب عما كان يدعو إليه في كتابيه: «عكازة مستحمِر» و«عمامة مسترجَعة»، كدعوته فيهما إلى العلمانية الجزئية واعتزال الوسط الديني.
أهم ما جاء في مقدمة الناشر (وهي هيئة اليد العليا) أن الكاتب يرفض استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية»، ويفضّل استخدام «الحكومة الإسلامية»، وسيتضح معنا السبب لاحقاً. كما واستخدم الكاتب مصطلحات كـ «النضال»، «الثورة»، وما يدور حول هذا المعنى، ولكنه يعني بهذه الاستخدامات «الجهاد».
أما في مقدمة الكاتب، نقرأ إقراراً واضحاً بأن الله استبدله لفترة عن الانتصار لدينه، ويصرّح بأنه يعود إلى ما كان عليه من خدمة الدين والشريعة والجهاد في سبيلها. يوعز الكاتب هذه العودة إلى أمرين:
- إلى الدعاء الذي كان دائماً ما يردده: «واجعلني الله ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري».
- إلى الفطرة وإلى الطينة التي أخبر أهل البيت شيعتهم بأنها خلقت من فاضل طينتهم، وأنها تحن إليهم.
في هذا الجزء من الكتاب، يوضح الكاتب سبب كتابة هذه المقدمة، يقول إنها توبة علنية لما كان يدعو إليه في كتابيه السابقين، يروي الكاتب لنا جانباً من سيرته الذاتية في فترة السنتين، ومنها أنه عمل فيها مع منظمات حقوق الإنسان، كمنظمة العفو الدولية، والحركة الليبرالية الكويتية، وحضوره لمؤتمرات البرلمان البريطاني.
أما عن سبب اتجاهه إلى هذا المسلك بعد أن كان داعية ديني معروف في الوسط وله إنجازات فيه، هو الفراغ الذي وجده في نفسه، فهو دائماً يحب المشاركة في النضال والكفاح ونصرة المظلوم، فلم يجد طريقاً لذلك بعد تعرضه لصدمة من الساحة الدينية عام 2018 إلا أن يتجه إلى هذا التيار. بالرجوع إلى عام 2018 و2019 وأواسط عام 2020، نجد أن هوية هيئة اليد العليا ونشاط الكاتب اتجه إلى طريق آخر ومسلك مختلف عما كانت عليه. وبتاريخ 16/10/2021، صدر مرسوم عن الكاتب يأمر بحل مجلس إدارة الهيئة، وهي المرة الثالثة التي يصدر فيها هكذا قرار. وجّه المرسوم كذلك بتعديل أحكام النظام الأساسي لهيئة اليد العليا لتصبح إسلامية جهادية. مراسيم حل مجلس الإدارة كانت بالترتيب التالي:
- عام 2016: حل مجلس الإدارة ونقل المكتب الرئيسي من الكويت إلى بريطانيا.
- عام 2018: حل مجلس الإدارة وحل جميع المؤسسات والمشروعات التابعة وأبرزها «مؤسسة هجَر الإعلامية».
- عام 2021: حل مجلس إدارة الهيئة، وتعديل النظام الأساسي، وإقرار نظام إداري جديد يعتمد على اللامركزية.
تحت عنوان: «الحداثة.. رعونة، هوج، خرق، وسخف»، يتكلم الكاتب عن المذهب الخُضْري أو النباتي. يصف الكاتب هؤلاء بالأغبياء، وكما في هامش الكتاب، لا يقصد الكاتب من يتخذها أسلوب حياة لأسباب وجيهة يراها، بل يقصد من يعتنقها كعقيدة. وبالفعل، في هذه السنة، في عيد الأضحى، سمعنا عدداً كثيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي يستهجنون عيدنا بحجة أن فيه إسرافاً في قتل الحيوانات!
ثم يتطرّق الكاتب ليدلّل على صحة كلامه مما شاهده وعاصره من تخبّط الحداثة وعقائدها ومذاهبها الفكرية. نجده ينتقد ما يسمى اليوم تخفيفاً «المثلية»، -والصحيح أن نقول «الشذوذ». في شهر يونيو من كل سنة ينظّم الشواذ مسيرات وبروباجاندا إعلامية ضخمة بدعم حكومي لترويج الرذيلة والتعبير عن فخرهم بها. وكذلك يعرّج الكاتب إلى «الحركة النسوية»، وكيف أنها تريد هدم المنظومة الأسرية. ونجد الكاتب ينتقد ويوضح ما ستحدثه الحداثة من نقص في الأيدي العاملة وأزمة لدى الطبقة الكادحة، بسبب الثورة التكنولوجية وتداخلها مع حياتنا اليومية وفي أدق تفاصيل الحياة. المشروعات الخطيرة التي أنتجتها الحداثة كما جاء في هامش كتاب «قيامتنا والأخ الأكبر»:
- النباتية
- الجندرية
- النسوية
- الذكاء الاصطناعي
- الواقع الافتراضي
- العملات الوهمية
- الفردية
- الإجهاض
- انتهاك الخصوصية
- أزمة المناخ
- الحركة الطوعية لانقراض العنصر البشري
- الهندسة الوراثية
وللكاتب بيان جميل ومميّز، يشرح كيف اخترعوا لنا العلمانية بعد الليبرالية، لتلعب دوراً على خطوط التماس بين الدين وبين الليبرالية، ولتعالج التنافر بينهما.
وتحت عنوان: «نحن الأعلون وأصحاب السيادة»، يريد الكاتب أن يحرّض المسلمين جميعاً، ويبشرهم بأنهم الأعلون ويجب عليهم ألا يقلقهم مجاراة العدو الذي يطلق على نفسه «العالم الأول». ويكشف لهم، أن الله سيعزز نصرهم له بجبريل والملائكة وصالح المؤمنين، وهي آية قرآنية هددت عائشة وحفصة بعد أن تظاهرتا على النبي: «إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَٱلْمَلَٰئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ».
يبدي الكاتب إعجابه بهرتزل منظّر الدولة اليهودية، ثم يشير إلى الزعيم النازي هتلر مؤلّف كتاب «كفاحي»، ولينين صاحب «الثورة البلشفية».
تحت عنوان: «الاقتناع بالواقع.. إنها دولة مستحيلة»، يتكلّم الكاتب عن اهتمامه بمسألة الدولة الإسلامية، والوقت الذي صرفه في دراسة نظريات الحكم الإسلامي. يقول الكاتب بأنه عمل سابقاً على دمج نظرية «ولاية الفقيه» التي تزعّمها الإمام الخميني مع نظرية «شورى الفقهاء» التي نظّر لها الإمام الشيرازي. كذلك يشير إلى ميوله لتكون الدولة بيد «المستبد العادل»، ونجد هذا المصطلح عند الشيخ محمد عبده. ثم يقول: «وأن تكون دولة اجتهاد تحكم لله ولا تحكم باسمه». في هامش الكتاب، يذكر الكاتب بعض الأدلة الشرعية ويشرح ما يريده من:
- المستبد العادل
- دولة اجتهاد تحكم لله ولا تحكم باسمه
يخبرنا الكاتب عن شغفه منذ الصغر في مسألة إقامة الحكم، ومن تجليات هذا الشغف:
- تأملات (مقالات) في كتاب «الدولة اليهودية» لهرتزل.
- تقرير سلسلة الشيخ ياسر الحبيب المعنونة بـ «دولة الأكارم» والتعليق عليها.
في هامش نفس هذه الصفحة، يرد الكاتب على الشيخ ياسر الحبيب بشأن نظريته في طريقة تحصيل الحكم الإسلامي.
يعتبر الكاتب الإمام الخميني ملهماً، ويبوح بذلك لأول مرة، وسبب كتمانه هذا الأمر لكونه كان محسوباً على المرجعية الشيرازية منذ بداية خوضه الساحة الدينية عام 2012. وفي النفس الوقت يقر الكاتب بوجود أخطاء في نظام الجمهورية، كما أنه انتقدها نقداً شديد اللهجة في أكثر من موضع في الكتاب كما سيتبين لنا لاحقاً. جدير بالذكر أن هناك صراع قديم وطويل بين الجمهورية الإسلامية والمرجعية الشيرازية.
وهنا جانب آخر من السيرة الذاتية للكاتب، يقول فيها أنه كان يصدر مجلة شهرية في الكويت، وكانت افتتاحية كل عدد تتكلم عن طموحاته وآماله لإنهاض الأمة الإسلامية وإعادة مجدها. يذكر الكاتب في الهامش بأن المجلة كانت تصدر بعنوان بريدي مفبرك كمخرج قانوني في حال وقعت السلطات الكويتية على نسخ منها، لخطورة ما كانت تحتوي عليه من مواضيع.
يتطرق الكاتب إلى جانب آخر من حياته، وهي مرحلة اللجوء السياسي في بريطانيا بعد أن لاحقته الحكومة الكويتية بأحكام قضائية، وحظرها لهيئة اليد العليا. يتحدّث لنا هنا عن اهتمامه بمنطقة «البحرين الكبرى»، وكيف أنه كان يطمح لإقامة حكم إسلامي شيعي قومي فيها. ويخبرنا هنا عن تأسيسه لمؤسسة «هَجر الإعلامية» في بريطانيا، وينكشف لنا من هذا سبب اختياره لهذا الاسم «هجر»، لأنها ترمز إلى عاصمة «البحرين الكبرى» قديماً. ويتهكّم على الطبع الغالب على الكويتيين قائلاً: «وأما آكلي «المچابيس» فلا يعوّل عليهم بأمر كهذا لا يطيقونه».
ما سبق ذكره، كان تأسيساً من الكاتب لفكرة أساسية يريد إيصالها إلى القارئ، وهي:
- أنه صاحب تجارب حقيقية.
- كانت له أعمال ميدانية لتحقيق أهدافه.
- يعرف الحركات الإسلامية والفكرية جيداً وعمل معها.
وأما الآن وصاعداً، فيريد الكاتب التأسيس لنظريته الثورية من خلال إثبات المشكلات التي يواجهها العالم أولاً لتكون النظرية هي الحل. أخبرنا الكاتب في بدايات الكتاب أنه يعترف أن الشريعة يجب أن تكون لها دولة، وأننا كمؤمنين يجب أن نسعى لتحقيقها. الآن يخبرنا الكاتب بأن دولة الشريعة كان يمكن لها أن تقوم وتؤسس إلى مطلع القرن التاسع عشر، لماذا؟ ما الذي حدث؟ يقول الآن نعيش نحن تحت «نظام دولي»، ما المشكلة؟ سيتبيّن لنا لاحقاً. هنا يذكر أسباب استحالة قيام دولة إسلامية في العصر الحديث. ولكم أن تراجعوا الكتاب لقراءة الأدلة التي يستند عليها للتفصيل. فإذاً أساس النظرية قائم لعلاج هذه المشكلة الواضحة:
- للإسلام دولة يجب أن نحققها.
- النظام الدولي ومفهوم الدولة الحديثة لن يمكننا من تأسيس دولتنا.
- يجب علينا إسقاط النظام الدولي والتخلص من الحداثة.
- يجب علينا الجهاد لتحقيق ذلك.
- الجهاد الجماعي انتحار وفكرة سيئة.
- بعد ذلك يعطي جهاداً آخر انتقالي لإسقاط النظام الدولي وإيجاد فسحة للدولة الإسلامية لتقوم، كما كانت تقوم سابقاً.
تحت عنوان: «قطع الأمل بالضمير العالمي العام»، الكاتب ينتقد الكاتب ودعواته المستمرة لتدويل مكة المكرمة والمدينة المنورة، وينتقد نظرياته السياسية «الدولة الأمنية» و«دولة الأكارم» القائمة على مناشدة «الأمم المتحدة».
الآن يبدأ الكاتب بشرح نظرية الجهاد الانتقالي المسماة بـ «النفير الثُبات»:
- يتساءل نيابة عن القارئ: إذا كنا يجب أن نحقق الدولة الإسلامية، ولكنها مستحيلة بسبب هيمنة النظام الدولي والدولة الإسلامية يجب ألا تخضع للنظام الدولي، والجهاد الجماعي (كتنظيمات وحركات) فكرة سيئة وانتحار، إذاً ما المخرج؟
- يقول هناك أمر واحد، وهو النفير الثُبات بدل النفير الجماعي: «فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا». يعني جهاد فردي، يفصّل ذلك في الصفحات التالية.
ثم يريد الكاتب أن يستبق الإشكالات التي قد تطرح بسبب ما شهدته الساحة الدينية من حركات جهادية سابقة. يقول كيف أن نعصم الجهاد هذا من ادعاء السّفارة ونيابة الإمام المهدي فتتحول بذلك إلى جماعك منحرفة؟ وكيف يمكن أن نضمن أنها لن تتلوث بالسياسة؟ يقول: اللاسلطوية واللامركزية هي الضامن.
ينتقد الكاتب الذي يستغرقون بالجهر بالبراء من أعداء الله والاكتفاء بذلك دون عمل جهادي حقيقي على أرض المعركة. في تسجيل عنوانه: «عمل العاجز عن الأقوى»، يفصّل الكاتب هذه الرؤية.
يذكر الكاتب تكتيك عسكري لتحقيق الفكرة، وهي «اللاتماثلية». ثم يستبق إشكال القارئ، ويقول على لسانه: أن مشروعكم أشبه ما يكون بمشروع عفوي يفتقر إلى التنظيم. فيجيب الكاتب أن النظرية لتنجح يجب أن تكون حالة جماهرية عامة من غير تنظيم، وأن التنظيم ليس إلا شكلاً يتوسط النظرية الثورية وممارسة الثورة، إذاً يمكن تجاوزه. تحت عنوان: «اللامركزية.. حذر الهلاك والإبادة»، يشرح بشكل أعمق نوع اللامركزية المرجوة عند تطبيق نظريته «النفير الثُبات»، وهي اللامركزية التي تشبه «سلسلة الكتل». إلى هنا نكون قد وصلنا إلى تغطية ونقل وشرح أبرز الأمور التي توضّح لنا نظرية الكاتب محمد الميل المسماة بـ «النفير الثِبات».
في هذا المقال، سأقوم بمراجعة كتاب «نفير الثُّبات: رأي في جدلية القيام والقعود وبيان سبيل الخروج من مأزق الدولة المستحيلة» للشيخ محمد الميل وشرح بعض ما جاء فيه. لقد تأخرت نسختي المطبوعة من الكتاب في الوصول كثيرا، ووصلتني الطبعة الثانية بدلا من الأولى، تلقيت رسالة من هيئة اليد العليا (الناشر) أخبروني فيها: “بسبب بعض الأخطاء المطبعية في عنوان ومحتوى هذا الكتاب، تم سحبه من التداول واستبداله بطبعة ثانية منقحة ومصححة”.
أول ما يلاحظ في الكتاب، أن مقدمة الناشر هي نفسها المكتوبة في كتاب «قيامتنا والأخ الأكبر» لنفس المؤلف، المنشور في عام 2022. هناك تغييرات وإضافات طفيفة، ويؤكد الناشر على التالي:
- الكتاب يحتوي على 16 عنوان.
- هذا الكتاب تراجع لما نشره الشيخ الميل في كتابيه «عكازة مستحمِر» و«عمامة مسترجعة».
- الكتاب يبين نظرية الشيخ الميل الثورية لإقامة الدولة الإسلامية في العصر الحديث.
- الكتاب يبين نظرية الشيخ الميل في الوحدة الإسلامية.
الكتاب عبارة عن كتابين في كتاب وتحت عنوان واحد: «قيامتنا والأخ الأكبر» (2022) الجزء الأول، و«نفير الثُّبات» (2023) الجزء الثاني لن نتطرق إلى ما جاء في الجزء الأول من الكتاب، فقد سبق وأن نقلنا مقاطع منه وشرحها ومراجعتها. هناك تغييرات في بعض المصطلحات التي كانت مستخدمة في الطبعة الأولى من الجزء الأول، فقد لاحظت استبدال كلمة “رافضة” بــ “المسلمون”، فكأنما يريد الشيخ أن يجعل النظرية أكثر عمومية وللمسلمين جميعا بدلا من طائفة، وفرع من طائفة. كذلك هناك تغيير في إحدى عناوين الجزء الأول مقارنة بالطبعة الأولى.
يبدأ الشيخ محمد الميل بتأكيد أن الإسلام ليس في عزه في هذا العصر، وأن الطريق الوحيد لإعزازه هو بالجهاد في سبيل الله. ثم يعلن بأن هذا التأكيد يقوله وهو في الغرب، إشارة إلى أن أخطر كلمة يمكن التلفظ بها هناك كلمة “جهاد”. ثم يتدرج بالبيان، ويبين بأننا في مأزق الحداثة، التي جعلت دولتنا الإسلامية مستحيلة، وأنها ورطة حقيقة لا يمكن الخلاص منها حتى بجيش كبير، لأن نظم الحداثة أقوى وقادرة على إبادة كل شيء -بإذن الله-.
يبوح الشيخ الميل باليأس الذي يخيم على نفوس المسلمين، في ظل يأسهم من الحداثة ونظمها (وبناتها كما يسميها). ويتضاعف هذا الإحباط بأن الرسالات اختتمها الله بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا سبيل لنبي جديد يأتي ويصلح الفساد الذي نعيشه ويكسر شوكة القوة المهيمنة على العالم. ولكن الأمل في رجل واحد، بشر به خاتم الأنبياء، وهو الإمام المهدي الذي سيصلح الأرض.
يؤكد الشيخ الميل بأن نظريته لا تقوم على المناظرات الكلامية والإقناع والحوار. ونجده مجددا، يذكر الشيخ الميل أسماء: ماركس، هرتزل، الخميني. وفي إحدى الهوامش، يرد الشيخ الميل على نظرية المقاصد وتحديدا على ما يطرحه المرجع الديني السيد تقي المدرسي.
يحاول الشيخ الميل في مقدمته تثبيت من يعتقد أو سيعتقد بنظريته «نفير الثُّبات»، وأنهم عليهم ألا يتوقعوا النصر دائما، فالإمام الحسين قاتل وكان يعلم أن حربه خاسرة وفق الموازين الطبيعية، وكذلك فعل الإمام علي. ويخبر القرّاء عن قصة نبي الله نوح عليه السلام، وأن البذور التي كان يغرسها على مدى سنوات، وكان قومه يضحكون عليه، أنبتت وأثمرت واستطاع بها أن يبني سفينة ضخمة أنقذت الأنواع.
يطمئن الشيخ محمد الميل من يعتقد بأن لا خلاص من الحداثة وقوة النظام الدولي، بما انتهى إليه ويل ديورانت صاحب موسوعة «قصة الحضارة»، بأن الحضارات قد تنتهي بعوامل جيولوجية! فمهما تبخترت الحضارة الغربية بقوتها وطغت سيأتي يوم وتكون كأن لم تكن. يوضح الشيخ الميل سبب تصورنا بحتمية الحداثة وأنه لا مفر لنا من هذا الواقع، وهو أن الحداثة ذات كينونة شمولية، تماما كالدين.
يبدأ عنوان جديد «الحداثة.. جامعة السعادات أم التعاسات»، وعبارة «جامعة السعادات» مقتبسة من عنوان كتاب شهير «جامع السعادات» الذي يحتوي على مواعظ ونصائح أخلاقية تجعل الإنسان يحصل على كل السعادات إن عمل بها وكأن الشيخ الميل يريد أن يقول إن الحداثة هي جامعة التعاسات لأنها فاقدة للقيم الأخلاقية.
يتحدث عن إحدى بنات حداثة، العولمة، وأنها العجلة التي تحركها وتجعلها تنتشر عولمة كل شيء، يقول: “حتى أصبحنا نرى الأعراب يلتقمون السوشي”!
في الوقت الذي تنتشر فيه الحداثة بسبب قوة العولمة، فإنها في تراجع يحلل الشيخ الميل الأزمة الفنزويلية، ويقول بأن أحد أسبابها هو التحديث السريع للمناطق الريفية مما خلق حالة تنافر.
يتعمق الشيخ الميل أكثر في الحداثة، ويقول بأنها تقوم على الفردانية، وهذه الفردانية تسببت في فقدان المعنى للإنسان الحديث تسببت الفردانية باضطراب نفسية الإنسان الحديث يضرب مثالا في الهامش على منصات التواصل، وكيف أن بعضها يدفع المال لصناع المحتوى الذين يعرضون أجسادهم.
يطرح الشيخ الميل سؤالا جوهريا، حول الحداثة وكيف استطاعت أن تحدث الإنسان، فيجيب: بشعار الحقوق.. حقوق كل شيء! ومن هنا يريد انتقاد ما يسمى بحقوق الإنسان. يذكر الشيخ محمد الميل في كتابه لقاء بينه وبين أحد الناشطين السياسيين لم يذكر اسمه، كان يريد هذا الناشط أن يتعاون مع الشيخ الميل في “القضايا الحقوقية”، لم يكن يعلم أن الشيخ قد اتخذ موقفا من هذه القضايا والمنظمات. يصف الشيخ الميل هذا اللقاء بأسلوب بلاغي جميل.
في مقارنة بين الدول العربية والدول الغربية، يصف الشيخ الميل الدولتين بالقمعية، ولكن الفرق أن الأولى بغباء والثانية بذكاء. يذكر الشيخ موقفا حصل أمامه في مظاهرة التغير المناخي في بريطانيا، حينما اشتدت المظاهرات وكانت هناك احتمالية عنف، لم تقمع الشرطة المظاهرة، وإنما طلبت من عناصر مخابراتية بتشغيل الموسيقى الصاخبة وتوزيع المسكرات، وبالفعل انتهت المظاهرة والكل سكران ومنهك!
يؤكد الشيخ الميل زيف شعارات حقوق الإنسان، ويذكر الحضارة الغربية بما فعلته في اليابان بعد إلقاء قنبلتين نوويتين، ويذكرهم بالهولوكوست، ويضيف بأنه لولا هذا التقدم التكنلوجي الهائل الذي دفع إلى ابتكار أسلحة دمار شامل وإبادة لما تمكن الإنسان من فعل هذه المجازر. ويتهكم الشيخ الميل بالعقل الغربي، الذي يعتقد بأن في امتلاك الأسلحة النووية يمكن الحد من الحروب وإنهائها، لأن كل من يفكر بالحرب سيخاف من العواقب ومن ثم يضرب مثالا على التناقض الغربي، كيف أنهم يرون امتلاك إيران لسلاح نووي خطر، ولكن امتلاك باكستان أمر عادي، وكلا الدولتين إسلاميتين!
يتكلم الشيخ الميل عن الانتكاسات الجنسية التي سببتها الحداثة لدى الإنسان الحديث كلمة اغتراب عادة ما يستخدمها كارل ماركس للإشارة إلى “الاغتراب الاجتماعي” لكن الشيخ ينتزع هذا مصطلح الاغتراب من كلام للإمام علي يقول فيه: “الاغتراب أحد الشتاتين”.
يعرض الشيخ الميل تفاهة المنطق النسوي ويسخفه، حيث يرون أن التي تعمل “مستقلة” والتي تعمل في بيتها لعيالها “عبدة”! يتطرق الشيخ الميل بذكر السموم الفكرية التي أنتجتها الحداثة، ومنها “اللاإنجابية”، وكيف أنهم يروجون لفكرة عدم الإنجاب. ثم يستمر الشيخ الميل بفضح الحداثة وبناتها، ويتطرق إلى كيف أنهم بعد النسوية واللاإنجابية، ذهبوا إلى الأولاد والعيال لتنفيذ أجنداتهم.
شرعوا لهم “حقوق الطفل” وبهذه الحقوق يتم سحب الأطفال من والديهم، وقانون إلڤو وما يحدث في السويد مثال حي. ثم يتعجب الشيخ الميل من عناوين حقوق الإنسان عندهم: حقوق المرأة / الطفل، ويتساءل أين حقوق الأم / الآباء؟ ويرى أن ذلك تأصيل وترسيخ الفردانية. وبعد النسوية، واللاإنجابية، والأطفال، يأتي موضوع الزنا والإجهاض، ويوجه الشيخ الميل سؤالا إلى دعاة الإجهاض، عن حقوق الأجنة، لماذا ليست موجودة؟ ويسأل أتباع حقوق المرأة الذين شعارهم: جسدي لا جسدك، أين شعار: جسد الجنين لا جسدك؟!
ثم يتطرق الشيخ الميل للموضوع الأطول وهو الشذوذ “المثلية” وكيف يتم ترويجها برسائل متناقضة: الطبيب قد يخطئ في التشخيص، وأنت لا تخطئ! يسرد الشيخ الميل حوارا جرى أمامه في المواصلات العامة، سمع طالبا يقول لآخر أنه كذب على معلمته وقال لها أنه “مثلي” ليحصل على درجة أعلى، وبالفعل حصل على درجة أعلى! ويكمل أنه كان في الكويت يتعمد أحيانا الهروب من مادة التربية الإسلامية حتى لا يسمع المعلم يكفر أبو طالب وهو رمز ومات على الإسلام كما يعتقد الشيعة، والآن في الغرب أصبحت المدرسة بمجموعها ينبغي الهروب منها وليس مادة واحدة!
وتحت عنوان جديد «ريح أرض مسطحة»، يتناول موضوع النباتيين الذين برزوا كثيرا في الغرب خصوصا، ويطالبون بتجريم أكل اللحوم! يستدل بهم بأنهم من إنتاجات الحداثة.
ويأتي بعد الذي سبق، عنوان جديد: «الدولة الإسلامية.. أنشودة الشيطان»، وكأن الشيخ الميل يريد أن يقول إن الذي يطالب بتأسيس دولة إسلامية في العصر الحديث قبل إنهاء الحداثة وإسقاط النظام الدولي، أن مطالبته هذه مطالبة شيطانية. ثم يتدرّج ويفرّق بين القانون والشريعة، وأنهما ليسا سيان، القانون شيء والشريعة شيء آخر، فمن يريد تأسيس دولة إسلامية السيادة فيها للقانون، فهو لم يأت بدولة إسلامية، بل دولة حديثة مأسلمة.
يرد الشيخ الميل في إحدى هوامش الكتاب على نظرية شورى الفقهاء للمرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي، وقبل هذا الرد، رد على نظرية جديدة اسمها “وكالة الفقيه”.
وبعد استدلاله على بطلان إقامة دولة إسلامية في العصر الحديث واستحالتها في ظل قوة الحداثة والنظام الدولي ، وبعد بيانه بأن هناك اختلاف جوهري بين مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الحديثة، وأن الأولى تقوم على الشريعة (وهي قيم)، والثانية تقوم علم القانون الوضعي (معدومة من القيم)، إضافة إلى إشكالات السيادة والقومية، يتطرق إلى عنوان جديد وهو موضوع هذا الكتاب «نفير الثُّبات.. جهاد انتقالي»، النظرية التي يعتقد بها يمكن تحقيق الدولة الإسلامية وأن بها يمكن إنهاء الحداثة وإسقاط النظام الدولي.
يقر الشيخ الميل بأن نفير الثُبات هو نوع جهاد، ورد ذكره في سورة النساء، ينتزع الشيخ هذا المصطلح من الآية ولا يريد تفسيرها وبيان مصداقيتها، وينطلق من قاعدة، أن عز الإسلام لا يكون إلا بالجهاد، ولكن كيف نجهاد وهم الأقوى؟ كيف نجاهد وهم قادرين على سحقنا سحقا؟
لماذا نفير الثُّبات هو الجهاد المطلوب في هذه المرحلة؟ يجيب الشيخ محمد الميل:
- الحرب غير متوازية، ولا نستطيع على قوة العدو.
- لأن العولمة أكثرت من سبل فهم الدين وبالتالي المناهج الدينية كثيرة ولا يمكن التوحد.
- الجهاد الفردي هو أقرب للنفس الحديثة التي تغلبت عليها الفردانية.
يشرح الشيخ الميل نظريته، ويقول إنها تتراوح قوة وضعفا، القوة في الانغماس والضعف في المراغمة كما يشرح في هامش الكتاب، ويضرب أمثلة على حالات يمكن أن يطلق عليها نفير ثبات بغض النظر عن صلاحها أو طلاحها:
- تحطيم النبي إبراهيم لأصنام قومه.
- إعدام كعب بن الأشرف.
- فتوى الإمام الخميني بإعدام سلمان رشدي.
- الاستيطان اليهودي.
- اغتيال فرانز فرديناند.
أخيرا، وتحت عنوان «وحدة تحالف لا وحدة اندماج»، يطرح بشكل سريع الشيخ الميل نظريته في الوحدة الإسلامية، ويرد الأطروحات التالية:
- التقريب بين المذاهب.
- التعايش المشترك.
- الأخوة الدينية.
- اللامذهبية.
إلا التعايش المشترك فيقول فيها نظر، ويطرح بديلا الاتحاد الإسلامي بدلا من الوحدة، وألا يكون طموحها الاندماج، بل القضاء على العدو المشترك، وهي انتقالية ليست أصل. ثم يعلنها أنه بعد تحقيق الهدف، فلتحكمنا دولة سنية ولينقلب عليها الشيعة والعكس بالعكس، ولا أن يحكما النظام الدولي ونعيش الحداثة.
إلى هنا نكون قد انتهينا من مراجعة أجزاء من الكتاب، ونذكّر بأننا لم نقم بتغطية كل الأفكار والموضوعات، لذا ننصح بقراءة الكتاب كاملا وبتسلسل لفهم مطالبه وأدلته.
الرسالة الجوابية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرًا لكم. ستؤخذ مقالتكم بعين الاعتبار.