ملحوظة: لم يتم تنقيح هذا التقرير أو مراجعته، وقد تم اقتباسه حرفيًا. نتيجة لذلك، قد تكون هناك أخطاء أو عدم دقة في المحتوى. من فضلك ضع هذا في الاعتبار أثناء القراءة.
إنتاج: قناة هَجَر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أبرز التهم التي توجه إلينا نحن أصحاب منهجية الجهر بالبراءة من أعداء الله تبارك وتعالى والقدح برموز الضلالة والمنكر، وأصحاب رؤية تصحيحة للتقية في واقعنا المعاصر، أننا شواذ عن سيرة أعلامنا وعلماءنا، سواء أكانوا أولئك العلماء من المتقدمين أو المتأخرين، ولكن لو أن هؤلاء الذين أطلقوا علينا هذا الوصف وأبعدونا عن ساحة العلماء الأبرار، لو محصوا قليلا وأعادوا النظر في التاريخ لوجدونا بأننا مرادفون وإياهم في هذه المنهجية، متساوون في طريقة التعاطي مع أهل الخلاف وفي الطريقة التي تحكمنا حينما نريد أن نقارع المخالف، بل فضلا عن ذلك كله، لو أنهم نظروا إلى سير أهل البيت عليهم السلام هذه السير العطرة لوجدوا بأنهم أو أن منهجيتهم كانت قائمة على الجهر بالبراءة من أهل الضلالة والمنكر، بل يصل الأمر إلى أن الأئمة الطاهرين عليهم السلام كانوا عادة ما يدعون الله تبارك وتعالى بأن يرفع عنهم التقية، يعني ما يجعلهم الله تبارك وتعالى يحتاجون لهذه الرخصة الشرعية التي أجازها الباري تبارك وتعالى من أجل درء مفسدة معينة قد توقع على الإنسان، مثلا ما يؤكد هذا الأمر ما جاء في دعاء الغيبة: “واجعلنا يا رب ممن لا حاجة به إلى التقية من خلقك”. يدعو الله تبارك وتعالى إلى أن يرفع التقية عنه، أي أنه لا يحتاج أن يتقي أي شخص في هذه الدنيا، يجهر بعقيدته.
هنالك عالم من العلماء كان صاحب هذه المنهجية التي نحن نتبناها، وكان يعلنها بشكل واضح، وتميز لعله عن بقية العلماء، وهذا العالم تقوم الحوزات العلمية على كلماته، ما من حوزة وما من مدرسة دينية شيعية إلا وهي قائمة على دراسة كلمات ودقائق مفردات هذا العالم العظيم، رجل عظيم كان في القمة، صاحب تحقيقات وبحوث، هذا العالم هو الشيخ علي بن حسين بن علي بن عبد العالي الكركي العاملي، والكركي نسبة إلى قرية كرك نوح في لبنان، هذا المحقق عرف بالمحقق الثاني تميزا عن المحقق الأول المحقق الحلي، وكان هذا المحقق بمنصب شيخ الإسلام في الدولة الصفوية، هذا الرجل وهذا العالم الجليل الذي تقوم الحوزات وتقعد على كلماته وخرّج الكثير من العلماء وطلبة العلوم الدينية. لو راجعنا في ترجمته لوجدنا وعرفنا وأيقنا بأنه رجل عالم فذ، مثلا هنا نقرأ في ترجمته: قال الحر العاملي في (أمل الآمل) يترجم لهذا المحقق الكركي عليه الرحمة والرضوان يقول: “أمره في الثقة والعلم وجلالة القدر وعظم الشأن وكثرة التحقيق أشهر من أن يذكر”.
قال المحدث النوري في كتابه (المستدرك) واصفا المحقق الكركي علي بن الحسين: “مروج المذهب والملة، وشيخ المشايخ الأجلة، محيي مراسم المذهب الأنور”. والآن حينما نقرأ في سيرته نعرف كيف أحيا سيرة أهل البيت بأي طريقة بأي منهجية. “ومروض الرياض الأزهر، مسهل سبل النظر والتحقيق، ومفتح أبواب الفكر والتدقيق، شيخ الطائفة في زمانه وعلامة عصره وأوانه”.
كذلك الكثير من العلماء يترجمون لهذا العالم ويشهدون له بجلالة القدر وسعة المعرفة، مثلا تستطيعون أن تراجعوا (روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات) للميرزا الخونساري، وترجمة العلامة المجلسي، وصاحب كتاب لؤلؤة البحرين، وغيرهم من العلماء الأجلاء.
هذا الرجل كان كثيرا ما يقدح ويعرض بأعداء الله تبارك وتعالى مثلا هنا نقرأ في رسالته في الجزء الثاني ص٤٦: “ذكر المبتدعة وتصانيفهم الفاسرة وآرائهم المضلة… ومن كان منهم عدوا لأهل البيت عليهم السلام فلا حرج في ذكر معايبهم والقدوح في أنسابهم وأعراضهم بما هو صحيح مطابق للواقع تصريحا وتعريضا كما وقع من أمير المؤمنين عليه السلام وما صدر من أبي محمد الحسن في مجلس معاوية لعنه الله في ذكره لمعايبه ومعايب عمر بن العاص والوليد بن المغيرة عليهم جميعا من اللعن ما لا يحصى إلى يوم الدين”.
يصرح باللعن لا يخشى في الله لومة لائم. هكذا يبنغي على الشيعي أن يكون، لا يخاف من اعتقال ويخاف من سجن، ويصبح انبطاحيا أمام المخالف، يجهر بعقيرته هكذا يبنغي أن يكون الشيعي، يخيف ولا يخاف.
كذلك هذا الرجل العظيم خصص كتابا كاملا في ذكر مثالب قتلة الزهراء عليها السلام اسمه (نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت) خصص هذا الكتاب فقط طعنا بمن هجم على دار السيدة الزهراء صلوات الله عليها وقتلها واعتدى على حضرتها، كذلك يرد في نفس الكتاب على شبهة لطلما كانت محل تردد الأفواه، وكررها بعض المتخاذلون في زماننا اليوم، وهي: “لا تكون سبابين ولعانين”. يقول في ص٢٨: “وما يقوله بعض الحشوية -الحشوية هنا لعله يقصد بها الحنابة لأنهم موصوفون بهذا الوصف- أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تكونوا لعانين، وأن أمير المؤمنين عليه السلام نهى عن لعن أهل الشام، فالمراد إن صح ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يكون السب خلقا لهم بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه بحيث يلعنون كل أحد، كما يدل قوله لعانين، لا أنه نهى عن لعن المستحقين كما يزعمه أولئك المفترون”. ليس كمثل أولئك الذين يزعمون كذبا وبهتانا لأنهم ما فقهوا كلام أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وما عرفوا معاريض كلامهم فقالوا أن أمير المؤمنين ما يلعن المستحق، بلى كان يلعن المستحق ويسبهم، أراد أن يبين ويصحح هذه المنهجية الخاطئة عند البعض الذين يتشدقون ويقولون بأن أمير المؤمنين ما كان يلعن رموز اهل الخلاف ورموز الضلالة. هنا يبين عكس هذا المدعى.
كذلك هذا الرجل العظيم والعالم الجليل، كان يسير موكبا، ويعين شاعر معين في موكب كان يسيره وكان هذا الموكب كان متخصص فقط في لعن أعداء أهل البيت إلى هذه الدرجة!
قال الشيخ يوسف البحراني في كتابه (لؤلؤة البحرين): “قال مولانا نعمة الله الجزائري في كتابه شرح غولي اللئالي: وكان رحمه الله لا يركب ولا يمضي إلا والباب يمشي في ركابه مجاهرا بلعن الشيخين ومن على طريقتهما”. يعني يلعن أبي بكر وعمر ومن على شكالتهما، هكذا كان يفعل المحقق الكركي عليه الرحمة والرضوان، فهل يرعوي الآن من يأتي ويتشدق ويقول لا تكونوا سبابين ولعانين لا تلعنوا رموز الضلال والمنكر هل يرعون الآنويكفوا عن بهتنا بأننا شواذ عن سيرة علماءنا، ويعودوا إلى سيرة علماءنا الذين كانوا مشهورين بسب وقدح أهل البدع!
كذلك من العجيب، ومما يجعلنا نعتز كثيرا بهذا العالم، أنه قتل على إثر ذلك، قتل شهيدا بسبب تصريحه ومواقفه الحادة اتجاه رموز الضلال، واتجاه من حرف المسيرة الإسلامية، فهلا نقتدي بهذا العالم الجليل، ونكون مثله نجهر ولا نبالي، نصرح بعقائدنا، هكذا أمرونا أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، وهكذا يبنغي أن نكون.