المُرسِل: هشام إبراهيم
بسم الله..
هذا الفيلم فيه حقارةٌ شديدة ووقاحةٌ عجيبة وكذبٌ صريح ، فقد طالعت إحدى تسريباته المبثوثة على منصّة “تيليجرام” كاملةً ، سواءٌ المتعلّقة منها بحادثة الهجوم على شخص الزهراء وإحراق دارها ، أو بتصوير حادثة صلاة أبي بكر عند مرض النبي وأنه كان حِيلةً من عائشة ، أو بتصويرهم طبيعة المحاججة التي حدثت في سقيفة بني ساعدة ، أو بطريقة تجسيد بيعة علي التي كانت جبراً وغصباً من قِبَل العبّاس عم النبي.
ناهيك عن تجسيد وجه النبي الذي افتقر للمشابهة إن لم أقل المطابقة ، كسعة العين وطول أهدابها ، وأنه كان أحور العين كحيلاً ، فضلاً عن تجسيد زوج النبي -أياً كان الموقف من هذه الزوجة- فحُرمة النبي وعرضه ينبغي أن يحجب صورتها عن التجسيد تماماً كالسيّدة فاطمة سواءاً بسواء ، ولا شأن لذلك بالأفضليّة ، بل درءاً لهتك الحُرمة النّبَويَة ، فقد كان ذلك مُمتَنعٌ على المسلمين أيام حياته فكيف يُهتك ذلك بعد مماته -صلى الله عليه وآله وسلّم-؟! ، إن اتّهمتم عائشة بالمخالفة بعد رسول الله فقد خالفتموه أيضاً بتجسيدكم إياها وإظهار صورتها دون حجبها عن الناس.
الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها باختصار هي : أن الإرهابي أبو بكرٍ البغدادي هو امتدادٌ لأبي بكر الخليفة الأوّل ، وهذا تصوير سطحي ساذج غير صحيح ، فعمليّة الفتوحات باركها علي بن أبي طالب في نهج البلاغة كما في غزو الروم مثلاً ، وقد شارك عليٌ في الدفاع عن بيضة الخلافة في موقعة “ذي القَصّة” المعروفة ، وقد وذكرها في رسالته لمالك الأشتر لمّا ولّاه إمارة مصر وقال : “فما راعني إلا انثيالُ الناس على أبي بكرٍ يبايعونه ، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد ، فخشيتُ إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه لثماً أو هدما ، فنهضتُ في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنَّ الدينُ وتنهنه”!
ومن ثَمَّ ، لما لم نرى عمليّةً إرهابيّة قام بها إباضي أو شيعي زيدي غير جارودي أو سُنّي أشعري أو سلفي إصلاحي معتدل أو دُرزي؟! هل تعلم أن أبو بكر يُعَدُّ خليفة هؤلاء جميعاً؟! لما لم نرى الإرهاب إلا من السلفيّة الوهّابيّة؟!
إن كانت المشكلة مع الوهّابيّة فلا تُهينوا عقائد الآخرين في غير السبيل العلمي.
الرسالة الجوابية:
أخانا الكريم، إن تقديم وجهة نظر مختلفة للأحداث التاريخية ليس بالضرورة يعني أنه يجب قبولها بالكامل؛ وعليه، علينا أن نفهم جيدًا بأن الأفلام ليست واقعًا مطلقًا، بل هي أعمال فنية تهدف إلى إثارة الانفعالات وتقديم رؤية فنية للأحداث التاريخية.
تساهم الأفلام التاريخية في إبراز جوانب مهمة من التاريخ وإعادة إحياء القصص التي قد تكون قد تم تجاهلها أو تناسيها. في حالة فيلم “سيدة الجنة”، قد تم تسليط الضوء على قصة محددة من التاريخ تعرضت للنسيان وكادت صفحاتها بما تحتويه من آلام وعذابات أن تطوى؛ وبناءً على هذا، يحق لهيئة اليد العليا أن تُعبِّر عن تقديرها للجهود المبذولة في صنع فيلم يعرض القصة التاريخية المنسية، رغم تحفظها الشرعي والأدبي والفني على كثير مما جاء في تفاصيله.
المُرسِل: هشام إبراهيم
أيها الأخ العزيز..
إنَّ الضابط في تحديد معالم التاريخ هو (التواتر) السمعي أو النصّي..
فما تواتر عن معاوية -مثلاً- كانت البِطْنة ، والبغي على سلطان الخلافة الراشدة وإحلال المُلك العَضوض مكانها على الأُمّة ، وما تواتر عن يزيدَ بن معاوية كان الفسق والمجون ، وما تواتر عن الحجّاج كان سفك الدماء ، وما تواتر عن عمر بن عبد العزيز كانت العدالة.
وكذلك الأمر في أبي بكر وعمر ، فقد روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار روايةً مضمونها : “أن أبا بكرٍ و عمر ظلمانا أهلَ البيت وعدلا في الناس..” وكذلك في شأن عمر بن عبد العزيز بأنه ممدوح في الأرض ملعون في السماء على حد زعمكم.
فالشاهد ، أن التواتر السمعي والنصّي هو الحاكم على ما غلب على هذه الشخصيّات التاريخية ، ولا يمكن أن تكون مسألة “الهجوم على دار الزهراء” حقيقة متواترة نصّاً ولا سمعاً إلا في الآونة الأخيرة ، بل هي إفكٌ يُفترى ، والحاصل أن هناك عمليّة تهديد وقعت يُقصَد بها من أبطأ عن البيعة لا شخص الزهراء ، وقد يقول المرء ساعة غضب ما لا يرضاه ساعة الرضا ، لكنَّ الزهراء كانت وسيطاً بين المُبطئين عمداً وبين بقيّة الأصحاب ، حتى بايعوا بأمرها في النهاية عندما قالت لمن عندها : “فانصرفوا راشدين ، فرَوْا رأيكم ، ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر”.
وقد بيّنوا علّة إبطائهم بأنهم وجَدوا على القوم في استباقهم إياهم بأمر الشورى دون مشورتهم ، فاستبَدّوا بها عليهم ، فبيّنوا القوم بالمقابل أنهم عَجِلوا لكي لا يفرط عقد المسلمين ويبيتوا بلا جماعة وقد ابتدأها الأنصار فسَعوْا لإخمادها.
فنحن سرنا على مذهب الزهراء المحمّدي في بيعة أبي بكر وأنتم على مذهب أبي سفيان الجاهلي فيه! واليوم تدّعون اتّباعها وترموننا باتّباع أبي سفيان! وشتّان.
إنَّ المتواترات لا قراءة فيها لأحد ، كل الكتب التي تسعى لتلميع يزيد أو الحجاج أو غيرهما وأنهم مُفترى عليهم قد شَذّت عن المكتبة الإسلامية والتواتر التاريخي مهما صنعوا ، وكذلك الأمر فيمن سعى لتشويه صورة الشيخين أبي بكر و عمر بأنهما (قتلا) لا (ظلَما) السيّدة الزهراء ، وكانا همجيّين حتى مع الناس ، الأمر الذي يعارض رواية المجلسي المتقدّمة ، ومدائح المستشرقين الغربيين لهما.
ومع ذلك ، فهناك خطوط حمراء ، فحُرمة رسول الله -لا يجوز- إظهارها فهي من مُخَدّراته عليه الصلاة والسلام ، فقراءة مسلسل (الإمام علي) على سبيل المثال ، الذي أنتجته الجمهوريّة الإسلامية في إيران كان مُغايراً لقراءتنا في حرب الجمل ، ولكنهم مع ذلك لم يُظهروا أم المؤمنين عائشة إلا ظلّاً و من وراء حجاب ، ودون الصوت أيضاً.
ياسر الحبيب يريد تطبيع الإساءة والإهانة في إطار التعايش ، وهذا أشبه بمن يسعى للتطبيع مع الإساءة للنبي محمد (ص) بالرسوم والأفلام المسيئة بحجة أنها قراءته الشخصيّة وغير مقدّسٍ عنده! ونبقى على تعايش وأنا أُهين معتقداتك!
والله المستعان.
الرسالة الجوابية:
يتراوح مبحث حجية خبر الواحد بين قبول ورد؛ فإن كنت لا ترى لخبر الواحد حجية، فإن غيرك يرى عكس ما ترى؛ ففي الأمر سعة. ثم ما أسرع إتيانك ما ينقض تأصيلك، إذ أخذت تستدل بأخبار آحاد من هنا وهناك!
المُرسِل: هشام إبراهيم
ليست مناط القضيّة خبر الآحاد..
فعندما يتواتر معنى الظلم عن الحَجّاج -مثلاً- فلا يعني هذا نفي ما ثبت عنه أوّلاً في كونه مُدرّساً وحافظاً لكتاب الله ، وإن كانت خبرَ آحادٍ ولم تُعرف بين الناس ، فهذا لا يعارض معنى كونه مُبيراً ظالماً في سيفه رهَق ، لأنه الغالب على سيرته.
وعندما تتواتر معنى العدالة عن عمر بن الخطّاب -مثلاً- فلا يلزم منه نفي أحداثٍ من هنا وهناك تقتضي معنى التشديد على آحاد الناس كجلد صبيغ بن عسل الذي سأله عن مُتشابه القرآن ، فهذا لا يُعارض ما غلب على سياسة هذا الرجل من التشديد على نفسه قبل التشديد على الناس والزهد والعدالة ، لأنها الغالبة على سيرته عند كل المنصفين.
ولا بأس تجمعوا هذا الرأي بكونه ظلم أهلَ البيت في الخلافة والميراث ؛ فلا تعارض في الأمر ، لكن بعضكم يخلط بين العدالة الشرعيّة عندكم والعدالة الإداريّة للدولة أو الناس ، فيتحسس من ذكرها في المناهج الدراسيّة ولو كانت حقّاً نتيجة ذلك الخلط!
والقضيّة معكم حول أسطورة “الهجوم على دار الزهراء وكسر ضلعها” ليس في كونها خبر آحاد ، بل لأنها لم تصحّ ، ولم تحدث ، عندكم قبل أن تكون عند غيركم ، فقد حصل فيها القيل والقال بين متقدّمي الإماميّة قبل متأخريهم ، وما ثبَت وصَحّ عندنا كان خلافه كما جاء في مصنّف بن أبي شيبة ، وهو التهديد الزجري للرجال دون الزهراء التي كانت وسيطاً فقط حتى بايعوا بأمرها ، وذلك دون تجسُّد الإحراق ودون التعدّي على شخص السيدة فاطمة الزهراء نعوذ بالله ، بالعصر واللكز بنعل السيف والصفع والإسقاط وغيرها من هذه التفاصيل اللا معقولة في بيئةٍ عشقت رسولَ الله ، إن لم يكن من المهاجرين فمن الأنصار ولم يُحرّكوا ساكناً ، فضلاً عن خروجها طبيعيّةً حتى وُصفت حينها بأنها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم- بعد الحادث المزعوم!
لتناشد في المسجد فيما عُرف بعد ذلك بـ”الخطبة الفَدكيّة” عندكم ، وغيرها من العجائب والغرائب!
اسأل الله لنا ولكم بأن ينير الأبصار ، ويُلحقنا بالأبرار.
الرسالة الجوابية:
- أجبت نفسك.
- دع عنك قول هذا وخبر ذاك؛ ألا ترى أن الحادثة بلغت حد التواتر الإجمالي، هذا يُفصِّل وذاك يوجز، هذا في روايته، وذاك في حكايته، وزيد في شعره وعمرو في رثائه ونعيه، عقدًا بعد عقد، وقرنًا بعد قرن؟ ثم إن الكاذب يصعب عليه التفصيل والإحاطة؛ فما لنا نرى الرواة كل قد فصَّل حسبما رأى وناظر؟ لعمرك ما هذه إلا أمارات تدل على وقوع ما وقع بالجملة، تطمئن لها النفس المنصفة.