يُلخِّص الفيلم الوثائقي “اللاجئون الكويتيون“، وهو من إعداد الناشط الحقوقي الكويتي ورئيس الحركة الليبرالية الكويتية أنور الرشيد جانبًا مأساويًا لـ “بلد الإنسانية” –كما تصف الكويت نفسها–، وما يعانيه مواطنيها بعد هجرتهم القسرية إلى بلدان أخرى طلبًا لأمان اللجوء في دولة تتمتَّع بالحريات وتحصِّن الفاعلين في ميدانها، وأثبت الشريط الوثائقي عبر تحقيقٍ ميداني أن المتورِّطة بهذه الكارثة التاريخية هي السلطات الثلاث في البلاد.
الفيلم انطلق بتناول التاريخ القديم للكويت، وعَرْضِ مشاهد تاريخية إثباتًا بأنها كانت يومًا ما ملاذًا للفارين بحرياتهم. ما الذي حدث للكويت الحديثة؟ ولماذا لاجئون في الخارج محكومين بالسجن وعقوبات شديدة تلاحقهم على رغم من أنهم لا هم بمجرمين ولا معارضين للنظام؟ سؤال حسم فيه مُحقِّق هذه الواقعة الأستاذ أنور الرشيد الفضل والخير الذي كانت فيه الكويت يومًا ما.
الرشيد أشار إلى أن أصل التشريعات جاءت لتسهيل حياة الناس لا إلى إحداث انشقاقات مجتمعية أو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك الأواصر الأسرية التي هي بالنتيجة أساس أي مجتمع. وأردف متأسِّفًا بأن هذا هو الحاصل وواقع الحال؛ إذ أن الكويت شهدت في عصرها الحديث وجود لاجئين سياسيين بسبب تشريعات غريبة على الدستور، وتتنافى في الوقت ذاته مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت الكويت عليها، حصرها الفيلم في خمسة:
- المطبوعات والنشر.
- الإعلام المرئي والمسموع.
- حماية الوحدة الوطنية.
- الجرائم الإلكترونية.
- المحاكمات الجزائية.
اللجوء ليست ظاهرة جديدة على تاريخ الكويت، واليوم التاريخ يُعيد نفسه، هكذا يدَّعي الرشيد، مُدلِّلها بحقب تاريخية ابتداءً من عام 1921م في فترة احتجاج تجَّار الكويت على تفرد الحكومة بالسلطة، وصولًا إلى عام 1939م إذ فيها لجئ أعضاء من مجلس الشورى إلى الخارج كما وثَّق ذلك سكرتير مجلس الشورى آنذاك خالد سليمان العدساني، مرورًا من ذلك العام إلى 1960م، وتحديدًا عند تزوير انتخابات 1967م، ومن كل تلك المحطات نصل إلى يومنا هذا الذي نشهد فيه ظاهرة مشابهة لما مضى، وهي الأخطر على الإطلاق على النظام ما لم تأخذها بعين الاعتبار.
شهادات خطيرة:
وضمن تحقيق خاص، قدَّم الفيلم الذي بثَّته قنوات الأستاذ أنور الرشيد شهادات حقيقية وفي غاية الخطورة، تدور حول ما يعيشه اللاجئون الكويتيون وأسباب اضطرارهم إلى الفِرار دون العودة ومواجهة التُهم الموجَّهة إليهم أمام القضاء.
أطلَّ المستشار العام لهيئة اليد العليا محمد الميل سارِِدًا قصته؛ مفادها أنه خرج من الكويت كطالب مبتعث على حساب الحكومة لدراسة العلوم السياسية في بريطانيا، ولكنه تفاجئ بحدوث ضجة مفتعلة عليه وعلى الهيئة التي يزعم بأنها تتبنى الحوار الحر، وتدافع عن الحقوق والحريات، والتي يُشرِف عليها هو، ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي ساندها تصريحات لنواب في البرلمان وصحفيين؛ دفعت الحكومة لاتخاذ إجراءات صارمة ضده، انتهت بحكم يقضي بسجنه 10 سنوات غيابيًا، ولكن شائت الأقدار بأن يكون في آخر شهر من دراسته للسنة الأولى، ولو وقعت الضجة هذه بعد شهر من وقتها لكان في الكويت مواجهًا مصير مظلم يقضي على شبابه بحسب تصريحه. ويؤكِّد الميل بأنه الآن يعتبر أصغر لاجئ سياسي كويتي، ما دعى الرشيد يستفهم قائلًا: “هل يعقل شاب لم يتجاوز 20 سنة يهز ثوابت مجتمع لرأيٍ أذاعه، أمر غير معقول“.
أما أستاذة القانون في جامعة الكويت الدكتورة فاطمة المطر، أفادت بأن تهم كثيرة قد وُجِّهت إليها نتيجة ترجمة خاطئة لتغريدة كتبتها، فُهِم منها الإساءة للذات الإلهية وازدراء الأديان، إلى جنب أنها لم تكن هذه المرة الأولى التي تحاكم فيها بسبب تغريدات، فقد سبقتها محاكمات أخرى.
“ثلاثة دول تقاضيني.. تهمتي الإساءة لدول شقيقة، مع أني لم أقول ما قلته في الكويت ولا ضدها” يقول الدكتور عبد الله الصالح، وفي تهم مشابهة يقول النائب السابق في مجلس الأمة الدكتور عبد الحميد دشتي: “الشكوى تقول بأني من خلال تغريدات عديدة أثَّرت على علاقة البحرين والسعودية مع الكويت.. إجمالي الأحكام الصادرة ضدي أكثر من 61 سنة“.
قوانين فضافضة، ومحاكمة للنوايا:
“قوانين مطاطة وفضافضة كادت أن تقضي على شبابي لحركة حوارية تبنيتها.. أنا لم أدعو إلى عنف أو إقصاء الآخر“، هكذا وصف الميل القوانين، بينما وصفها الصالح بأنها “محاكمة لنوايا لا يعلمها إلا الله“، ويتابع الصالح القول: “لا يجوز حبس الإنسان على رأيه أيًا كان هذا الرأي، لأنه إن لم يقله في العلن قاله في الخفاء، وإذا لم يُصرِّح صاحبه باسمه فقد يصرِّح به بألقاب وأسماء مستعارة، وهذا يؤدي حتمًا إلى نفاق اجتماعي.. يتكلم الناس في العلن بوجه، وفي الخفاء بوجه آخر“. تضيف المطر قائلة: “بودي أن أرى الدستور يطبَّق، ويحزنني أن أدرِّس الطلبة بأن الدستور يحمي حرية التعبير، وأنا أعلم بأنه كلام لا صحة له، والحق أنهم لا يحق لهم النقد أو التعبير الحر“.
وعند سؤال الرشيد للنائب السابق دشتي عن سبب إقراره قانون الجرائم الإلكترونية أجاب: “قبلت على مضض.. ولضبط المزاجية في تحويل المغردين تارةً إلى جهاز أمن الدولة، وتارة أخرى إلى محكمة الجنايات، فأردت سن قانون ينظِّم التغريد“.
ويعتقد محمد الميل بأن هنالك حالة من التعامي المتعمَّد والمسيَّس في دور النواب الرقابي والتشريعي فيما يرتبط بصيانة القوانين المقيدة للحريات، وإلا فالصوت قد أوصِل إليهم. أما الدكتور فاطمة المطر فتصف أداء المجلس بالمخجل.
لما لا يواجهون القضاء؟
وعن سبب هروبهم من مواجهة القضاء سألهم الرشيد، فكانت الإجابة بأن القضاء لا يسمح للمحكومين في قضايا أمن الدولة الدفاع عن أنفسهم عبر محاميهم الخاص، ويتطلب الأمر حضورهم الشخصي إلى المحاكمة، وهذا ما لا يأمن جانبه اللاجئون، ولا يريدون قضاء أي فترة كانت في السجن حتى وإن خُفِّف الحكم بالسجن إلى أقل مما حكمت به المحكمة الابتدائية. ومن جانب آخر، بأن ذلك سيضطرهم إلى التبرير وإثبات برائتهم في كل مرة يعبِّروا فيها عن آرائهم، ما يعني العيش في قلق وخوف مستمر، تكون الهجرة إلى دولة أخرى لآرائهم فيها متسع خير وأبقى، يعبِّر عن ذلك الميل بكلماته قائلًا: “أنا الآن حُر.. أنام مطمئنًا، لا أخشى جلادًا، ولا أهاب سجَّانًا“.